هل يسبب خلل النمو اعوجاج العمود الفقري؟ نظرية جديدة لفهم الجنف عند المراهقين؟

يعاني الكثير من المراهقين، وخاصة الفتيات، من حالة تُعرف باسم اعوجاج العمود الفقري مجهول السبب عند المراهقين (AIS)، وهي حالة يُصاب فيها العمود الفقري بانحناء جانبي غير طبيعي يتطور تدريجيًا خلال فترة النمو السريع. لكن، رغم عشرات السنين من البحث العلمي، لم يتوصل الأطباء والعلماء بعد إلى سبب محدد لهذه الحالة.

فهل يكون السبب في طريقة نمو العمود الفقري نفسه؟ وهل هناك عوامل خارجية مثل العضلات أو الأربطة تلعب دورًا في حدوث الانحراف؟

في هذا المقال، نستعرض فرضية جديدة ومثيرة للاهتمام تقترح أن السبب الأولي للجنف قد يكون ناتجًا عن نمو غير متوازن بين العمود الفقري والأنسجة المحيطة به.

 ما المقصود بـ”النمو غير المتوازن”؟

في الجسم الطبيعي، ينمو العمود الفقري بالتناسق مع العضلات والأربطة التي تحيط به، لكن وفقًا للدراسة الجديدة، قد يحدث في بعض الحالات أن ينمو العمود الفقري أسرع من العضلات والأربطة الأمامية (مثل عضلات البطن والصدر). هذا الاختلاف في النمو يُطلق عليه اسم “النمو التفاضلي المقيد“، وهو يعني ببساطة أن هناك عائق أمام النمو الطبيعي، خاصة من الجهة الأمامية للجسم، مما يؤدي إلى ضغط غير متوازن على الفقرات، فيبدأ العمود الفقري في الانحناء والالتواء.

كيف تم اختبار هذه الفرضية؟

قام الباحثون ببناء نموذج فيزيائي يحاكي العمود الفقري، مع استخدام نوابض وخيوط لتمثيل العضلات والأربطة. تم ترك العمود الفقري “ينمو” في هذا النموذج، لكن في وجود شريط أمامي يمثل الأنسجة التي قد تُعيق النمو، مثل عضلات البطن والصدر.

مع مرور الوقت، لاحظ الباحثون ما يلي:

• أولاً، بدأ العمود الفقري في فقدان الانحناء الطبيعي في الظهر (انخفاض في الحدبة الظهرية أو الـ hypokyphosis).

• بعد ذلك، بدأ يظهر انحناء جانبي بسيط في العمود الفقري.

• ثم، بشكل مفاجئ، تحول هذا الانحناء إلى حالة تشبه الجنف الحقيقي الذي نراه في المرضى.

هذا النموذج يُحاكي تمامًا ما يحدث سريريًا في حالات الجنف عند المراهقين.

 ما الدور الذي تلعبه العضلات والأربطة الأمامية؟

أثبت النموذج أن الشريط الأمامي – الذي يمثل الأنسجة الأمامية للجسم – كان له تأثير محوري في تطور انحناء العمود الفقري. هذا يعني أن الاختلال في التوازن بين قوة ونمو العضلات الأمامية والعمود الفقري يمكن أن يكون هو العامل المحرك للجنف، حتى في غياب أي اختلال واضح بين الجهة اليمنى واليسرى من الجسم.

 ماذا عن الأسباب الجزيئية أو الوراثية؟

بحث الفريق العلمي في الأدبيات الطبية ووجدوا العديد من الآليات الجزيئية التي يمكن أن تفسر هذا النمو غير المتوازن. على سبيل المثال، بعض العوامل الوراثية أو الهرمونية قد تؤثر على سرعة نمو العمود الفقري مقارنة بالأنسجة العضلية، ما يُحدث خللاً في التناسق الطبيعي ويؤدي إلى الانحناء التدريجي.

 ما أهمية هذه الفرضية للأهل والأطباء؟

إذا ثبتت صحة هذه الفرضية، فإنها قد تُحدث نقلة نوعية في طرق التشخيص والعلاج، لأن:

• التركيز سيكون على الوقاية من اختلال النمو في مرحلة مبكرة.

• قد يتم تطوير تمارين أو أجهزة خاصة تهدف إلى دعم نمو العضلات الأمامية لمنع ظهور الانحناء.

• قد نعيد التفكير في متى ولماذا نستخدم الحزام الطبي أو التدخل الجراحي، بناءً على أسباب النمو وليس فقط شكل الانحناء.

✅ ما الجديد الذي تقدمه هذه الدراسة؟

هذه الدراسة هي من أوائل الدراسات التي تربط بين النمو غير المتوازن في الاتجاه الأمامي الخلفي وبين ظهور انحناء ثلاثي الأبعاد في العمود الفقري بدون الحاجة إلى وجود اختلال يميني-يساري. بمعنى آخر:
الجنف قد لا يكون نتيجة تشوه خلقي أو إصابة، بل ناتجًا عن نمو غير متناغم بين أجزاء الجسم.

 خلاصة مهمة:

• الجنف عند المراهقين قد يكون سببه نمو أسرع في العمود الفقري مقارنة بالأنسجة الأمامية مثل عضلات البطن والصدر.

• هذا النمو غير المتوازن يؤدي تدريجيًا إلى فقدان الانحناء الطبيعي ثم انحراف جانبي واضح.

• يمكن أن يؤدي الفهم الجديد لهذه الآلية إلى وسائل أفضل للوقاية والعلاج المبكر.

 أسئلة شائعة تدور في ذهن المريض أو ولي الأمر:

هل يمكن منع الجنف إذا اكتشفناه مبكرًا؟
نعم، الفرضية الجديدة تدعم فكرة أن التدخل المبكر قد يمنع تفاقم الحالة إذا تم الحفاظ على توازن النمو.

هل يمكن للرياضة أو العلاج الطبيعي أن يساعد؟
إذا كانت المشكلة ناتجة عن ضعف العضلات الأمامية، فإن التمارين العلاجية قد تلعب دورًا مهمًا في الوقاية.

هل هذا يعني أن الحزام الطبي غير ضروري؟
ليس بالضرورة. الحزام لا يزال ضروريًا، لكن يجب أن يُستخدم بناءً على فهم دقيق لأسباب النمو غير المتوازن، وليس فقط شكل الانحناء.

هل هناك اختبار يمكنه كشف هذا النمو غير المتوازن؟
حتى الآن لا يوجد اختبار مباشر، لكن الفرضية قد تفتح بابًا لتطوير أدوات تشخيص جديدة في المستقبل.

 في الختام:

فهمنا للجنف يتطور باستمرار. ومع هذه الفرضية الجديدة، قد نكون أقرب إلى منع حدوث الجنف قبل أن يبدأ، وليس فقط علاجه بعد أن يظهر. وإذا كنت أبًا أو أمًا لطفل في مرحلة النمو، فإن مراقبة وضعية جسمه ونشاطه العضلي قد تكون أول خطوة للوقاية.